الخميس، 4 مارس 2010

أهل التخذيل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :

فقد سألتني أخي - عبد الله - أن أبوح بشيءٍ مما في صدري ، وما كنت أريد أن أفعل ، غير أنني خشيت على نفسي من الصمت ، ولكن لا تفرح كثيراً فإن سأسير وفي قدمي الأغلال فقد كثر المتربصون من مدمني التشغيب ، وشح الناصحون !

وأما الناصرون فلعلك تدري بل أنت تدري أننا نستجديهم استجداءً ، ولكن أبشر فسأحاول أن أذهب شيئاً مما في صدري وشيئاً مما في صدرك

عبد الله ! ، استرخ قليلاً ثم انتبه لأشنف سمعك بطرفٍ من قصة التخذيل

قد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم " متفق عليه

عبيد الله ! في هذا الحديث التنبيه لأمرٍ مهم يصلح أن يكون مفتاحاً لرواية هذه الحكاية المريرة

وهو وجود أهل الخذلان الذين هم ليسوا بأهل حقٍ صرحاء ولا بأهل باطلٍ صرحاء

فإن سألتني : من أي الفريقين هم أم هم فريقٌ برزخ بين الفريقين ؟

قلت : يا عبد الله ! ما ثم إلا أهل السنة وأهل بدعة ، ألا ترى أنك لا تقول :" عدوي خذلني " وإنما تقول :" أخي خذلني " و تقول :" صاحبي خذلني " فلعلك عرفت الإجابة على سؤالك

ودعني أقف قليلاً للتنبيه على أمرٍ مهم ، فلعل أحد أصحابنا الذين تعرفهم سيقول :" من أين أتيت بتقسيم المسلمين إلى أهل سنة وأهل بدعة فقط !ثم أليس هذا التقسيم مشابه لتقسيم التكفيريين للناس إلى مسلم وكافر فقط ؟

فأقول : هذا التقسيم مستفاد من حديث الإفتراق المشهور فقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم أمة الإجابة إلى قسمين
- لا ثالث لهما - أهل سنة موعودين بالنجاة ، وأهل بدعة متوعدين بالنار

وأما تقسيم الناس إلى مسلم وكافر فهو تقسيمٌ صحيحٌ لا إشكال فيه

فإن قال المعترض - وما أكثر ما يقول - : ماذا عن الفاسق ؟

قلت : الفاسق ليس قسيماً للمسلم فإن المرء الواحد يجتمع فيه وصف الإسلام والفسق معاً ، وكذا يجتمع فيه وصف الإسلام والعدالة معاً ، وحتى الكفار ليسوا قسماً واحداً ففيهم الذمي وفيهم المحارب وفيهم المعاهد وفيهم الوثني وفيهم الكتابي وفيهم المرتد وفيهم الأصلي ولكلٍ أحكامه

فإن قلت : من أهل الخذلان ؟

قلت : هم في الحقيقة قسمان الخاذلون والمخذلون

أما الخاذل : فهو الذي تطلبه عند موطن النصرة فلا تجده

وأما المخذل : فهو الذي يقول لك كلاماً يفرح المخالف ويريحه منك ، وهذا هو الداء العضال 
والخاذل والمخذل لم يضروا إلا أنفسهم فقد قال الله تعالى :
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "

فالدين محفوظ بعز عزيز أو بذل ذليل غير أن القوم يحرمون أنفسهم ثواب الجهاد لحفظ الدين

وقد قال الله تعالى :" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص "

وهذا إن كان في جهاد السيف والسنان فهو واقعٌ أيضاً في جهاد الحجة والبيان إذ أنه جهاد الأنبياء جميعاً وما يتحقق بجهاد السيف والسنان تبعاً يتحقق به ابتداءً ، وقد حرم أهل الخذلان أنفسهم من أن يراهم ربهم في موطنٍ يحبه ، وأهل التخذيل حرموا أنفسهم وأرادوا حرمان غيرهم

وقد تقدم حديث الطائفة المنصورة ودلالته على هذا المعنى واضحة

وقد قال شيخ الإسلام كما مجموع الفتاوى (28/231 ) :ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة او العبادات المخالفة للكتاب والسنة فان بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لاحمد بن حنبل الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب اليك أو يتكلم فى أهل البدع فقال اذا قام وصلى واعتكف فانما هو لنفسه واذا تكلم فى أهل البدع فانما هو للمسلمين هذا أفضل فبين أن نفع هذا عام للمسلمين فى دينهم من جنس الجهاد فى سبيل الله اذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغى هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب فان هؤلاء اذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين الا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء"

قلت : فهذا هو جهاد الأنبياء

فإن قلت : ما أهداف أهل التخذيل ؟

قلت : هو هدفٌ واحد يركبون من أجله الصعب والذلول وهو تكميم أفواه أهل الحق ظناً منهم بأن في هذا تتوفر لهم السكينة والدعة

ولهم طرقٌ عديدة - في تحقيق هذا الحق تختلف باختلاف السني الأصيل - وهذا هو الفصل الأهم في هذه القصة - ولنسمه معاول الهدم

فإن كان عالماً قالوا له : لو تفرغت لتعليم العلم الشرعي وتركت الردود لكان ذلك أوقع أثراً لك في الأمة

وقد أحدث أهل التخذيل فصاماً نكداً بين العلم ومسائل المنهج أو فقه الدعوة ، فتجدهم يقولون :" مسألة علمية " و :" مسألة منهجية " وإذا رأوا الشاب يقرأ في كتب المنهج قالوا له :" اطلب العلم " وكأن المنهج ليس علماً يستدل لمسائله بالكتاب والسنة فمسائل السمع والطاعة ومسائل الكفر والإيمان ومسألة من السني ومن المبتدع مسائل عقدية أصيلة وأما الجرح والتعديل فعلمٌ قائمٌ بذاته وله أصول وقواعده ، بل إن تعلم هذه المسائل التي كثر فيها الإنحراف أولى من تعلم الكثير من المسائل الفقهية التي لا تدخل في فروض الأعيان ويدور فيها المجتهد بين الأجر والأجرين وأولى من تعلم علوم الآلة ولا مزاحمة فطالب العلم يحرص على هذا كله ، وأما إحداث المزاحمة بين ما لا يتزاحم كصنيع التبليغيين الذين أحدثوا المزاحمة بين طلب العلم الشرعي والدعوة إلى الله فهذه شنشنة نعرفها من أخزم ، ولو فرضنا وجود المزاحمة فقد تقدم ذكر الأولى

ومما تفرع على ( الفصام ) المذكور أنك إذا تخصصت في الفقه فهذا أمرٌ حسن

وإذا تخصصت في العقيدة قالوا :" وهل يوجد أطيب من العقيدة ? "

وإذا تخصصت في التجويد أو أصول الفقه قالوا : " قطعت الطريق على المخالفين الذين يصطادون بهذه العلوم التي يحسنونها "

وإذا تخصصت في المنهج أو فقه الدعوة أو الجرح والتعديل فأنت الخطر القادم !!!

وهنا لا بد من إيضاحٍ لمسألة ( التخصص ) ، فالجدير بطالب العلم أن يتأصل بكافة العلوم الشرعية ثم إن أراد أن يكون ( متخصصاً ) فليختر الأليق بقدراته ولا يهمل بقية العلوم بل يأخذ منها ما يتبلغ به في تخصصه ، غير أن السني السلفي ينبغي أن تكون عنده العقيدة والمنهج في المقام الأول وإن تخصص في غيرهما ولا أجدني مضطراً إلى الإستدلال لهذا فنحن نخاطب إخواننا السلفيين

واعجب عبيد الله لصنيع أهل التخذيل فإن المرء إذا تخصص في الرد على الروافض أثنوا عليه وشكروا له سعيه وإن كان حزبياً أو مثنياً على أهل التحزب

وأما السني إذا أكثر الكلام في ( جمعية ) أو ما يسمى ( جماعة ) ثلبوه وقالوا :" ليس عنده إلا هذا الباب يتكلم فيه " وجعلوا ذلك دليلاً يستدلون به تارةً تصريحاً وتارةً تلميحاً على ضعفه العلمي ، وما علموا أن سكوت المرء عن الكلام فيما لا يحسن من كمال عقله وعلمه ، وأن العلم لا يقاس بكثرة الكلام وإنما يقاس بقلة الخطأ والزلل

قال البزار في الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ص9:" والتمست منه تأليف نص في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته ليكون عمدة في الإفتاء فقال لي ما معناه الفروع أمرها قريب ومن قلد المسلم فيها أحد العلماء المقلدين جاز له العمل بقوله ما لم يتيقن خطأه وأما الأصول فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء كالمتفلسفة والباطنية والملاحدة والقائلين بوحدة الوجود والدهرية والقدرية والنصيرية والجهمية والحلولية والمعطلة والمجسمة والمشبهة والراوندية والكلابية والسليمية وغيرهم من أهل البدع قد تجاذبوا فيها بأزمة الضلال وبان لي أن كثيرا منهم إنما قصد إبطال الشريعة المقدسة المحمدية الظاهرة العلية على كل دين وان جمهورهم أوقع الناس في التشكيك في أصول دينهم ولهذا قل أن سمعت أو رأيت معرضا عن الكتاب والسنة مقبلا على مقالاتهم إلا وقد تزندق أو صار على غير يقين في دينه واعتقاده "

قلت : وبهذا الجواب من شيخ الإسلام يجيب شيوخنا الذين رأوا ما فعلته الجماعات الحزبية في الأمة من الأفاعيل فرأوا ذلك مقدماً على غيره عند التزاحم وإن كان شيوخنا لهم جهودهم الواضحة في نشر العلم الشرعي - بكافة فنونه - بين المسلمين 
بهذا يرجف أهل التخذيل على العلماء وأما طلبة العلم فلهم في ذلك طرقٌ عديدة

أولها : ما تقدم من التفريق بين العلم والمنهج وما تفرع عليه


ثانيها : الخلط بين النقد والجرح ، فكل من انتقده السلفي قالوا :" بدعه " والتبديع للعلماء لا للأغرار

وفعلاً التبديع للعلماء ولكن النقد وهو عرض الأقوال أو الأفعال على الأصول السلفية لا يحجر على طلبة العلم فيه

وإذا بدع العلماء شخصاً أو جماعةً جاز لنا تبديعه تبعاً لهم فالقاعدة الفقهية تقول :" يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً "

ثالثها : القفز بطالب العلم من مقام النقد إلى مقام التبديع ، فتجد الشاب السلفي يذكر مخالفاتٍ عن أحدهم لو مزجت بماء البحر لأفسدته

حمل المخذل معوله وجاء يصيح قائلاً :" هل هو مبتدع ؟" مخاطباً الورع في قلب الشاب الأثري ، والشاب السلفي يدفعه ورعه إلى السكوت عن الإجابة فالتبديع للعلماء

وأحسن ما يجاب به المخذل أن يقال :" وهل هو سلفي ؟" فكما أن الجرح للعلماء فقط فالتعديل أيضاً للعلماء فقط فإن أجابك المخذل بالإثبات- دون ذكر علماء - فقد خالف قاعدته وليس الأصل في المسلم العدالة - كما شرحته في مقال مستقل -

والعجيب أن جمعاً من أهل التخذيل لا يرون العذر بالجهل في مسائل التكفير ، وبعضهم يرى أن هذه المسألة خلافية فأمر تكفير من وقع في الكفر- عيناً - عنده هين ومحل خلاف

وأما إذا بدع العالم السلفي داعيةً أو عالماً من علماء الضلال تلبس بصنوف من البدع ، لبس المخذل ثوب الورع وقال :" التبديع صعب " ، نعم هو صعب والتكفير هين !!

وليعلم القاصي والداني أن من نسب إلينا أو شيوخنا عدم التفريق بين البدعة والمبتدع فقد غلط علينا بل هذه من تشغيبات أهل التخذيل

فإذا قلنا :" منهج الجمعية الفلانية بدعي " فهذا كلام على الفعل أو القول أو الطريقة لا يلزم منه الحكم على العين فتأمل !

رابعها : إدخال الشاب السلفي في المفاضلات فإذا نقد الشاب السلفي شخصاً قال المخذل :" ولكنه خيرٌ من غيره " أو :" هو أحسن الموجود "وغيرها من الألفاظ التي تفيد هذا المعنى

ومن المعلوم أنك إذا أردت أن ترفع وضيعاً فاذكره مع من هو شرٌ منه فالزيدية مع كونهم معتزلةً مبتدعة إذا ذكرتهم مع الروافض هان أمرهم في عين الباحث السطحي

وأما السلفي فينظر إلى المخالف الذي اقترب من أهل السنة وقد وضع نصب عينيه هاتين الحقيقتين

الأولى : أن المبتدع كلما اقترب من أهل السنة كانت امكانية الإفتتان به أعظم

قال ابن نصر السجزي في رسالته إلى أهل الزبيد في الحرف والصوت ص177 :" والمعتزلة مع سوء مذهبهم أقل ضررا على عوام أهل السنة من هؤلاء - يعني الأشاعرة -لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تموه بل قالت: إن لله يد بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي وإنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا قوة ولا إرادة ولا كلام ولا صفات مضافة إلى ذاته لازمة لها بل هذه الأشياء أفعال له محدثة في غيره وأن القرآن مخلوق وإن من مات من غير توبة من أصحاب الكبائر خلد في النار مع الكفار وإن الحوض والشفاعة والميزان لا أصل لها وإن من زنا أو سرق أو ارتكب كبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر وسمي فاسقا وإن الدار إذا (لم) يظهر فيها قولهم دار حرب وإن من انتحل مذهب أهل الأثر واعتقد ما في الأحاديث على ظاهرها حشوي وعند التحقيق كافر.
فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدّوهم أعداء.
والكلابية والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة والذب عن السنة وأهلها وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه وقولهم في القرآن حيره يدعون قرأنا ليس بعربي وأنه الصفة الأزلية وأما هذا النظم العربي فمخلوق عندهم "

وكذا المخذلون هم قنطرة لأهل البدع

وقال عبد الغني المقدسي في عقيدته ص121 :" واعلم - رحمك الله - أن الإسلام وأهله أتوا من طوائف ثلاث ، فطائفة ردت أحاديث الصفات وكذبوا رواتها ، فهؤلاء أشد ضررا على الإسلام وأهله من الكفار . وأخرى قالوا بصحتها وقبولها ، ثم تأولوها ، فهؤلاء أعظم ضررا من الطائفة الأولى .والثالثة : جانبوا القولين الأولين ، وأخذوا بزعمهم ينزهون وهم يكذبون ، فأداهم ذلك إلى القولين الأولين ، وكانوا أعظم ضررا من الطائفتين الأولتين"

الثانية : أن البدعة وإن صغرت في صورتها فإنها تجر إلى ما هي أكبر منها ، فأصحاب الحلق الذين أنكر عليهم ابن مسعود انتهى بهم الأمر إلى القول برأي الخوارج


قال ابن أبي شيبة في المصنف (5/290) حدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا سفيان عن سعيد الجريري عن أبي عثمان قال : كتب عامل لعمر بن الخطاب إليه ان ههنا قوما يجتمعون فيدعون للمسلمين وللامير ، فكتب إليه عمر : أقبل وأقبل بهم معك ، فاقبل ، وقال عمر للبواب : أعدلي سوطا، فلما دخلوا على عمر أقبل على أميرهم ضربا بالسوط ، فقال : يا عمر ! إنا لسنا أولئك الذين - يعني أولئك قوم يأتون من قبل المشرق"

قلت : فانظر كيف ظن عمر بهؤلاء الذين وقعوا ببدعةٍ عملية أنهم بذرةٌ للخوارج 
ومن هذا استفاد البربهاري قوله في السنة ص23 :" واحذر صغار المحدثات فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا
وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت وصارت ديناً يدان به "

ومن حيل أهل التخذيل : الخلط بين الهجر التعزيري والهجر الوقائي فيأتون بكلام أهل العلم في الهجر التعزيري وينزلونه على جميع أنواع الهجر، والخلط بين الهجر وترك المجالسة فيقولون للشاب السلفي :" الهجر للعلماء ومن له أثر على المهجور وأما أنت فلا فائدة في هجرك للمخالف "فيحملونه على مجالسة المخالفين

والهجر نوعان تعزيري - وهذا لا خلاف فيه -

ووقائي وهو الذي يعنيه ابن عبد البر بقوله في الإستذكار (8/290) :" والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرانه والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية"

والهجر أعم من ترك المجالسة فهو حقيقة مركبة من ترك المجالسة وترك السلام ، فترك المجالسة فقط - مع وجود السلام - لا يسمى هجراً على قول المحققين من أهل العلم

قال ابن عبد البر في الإستذكار (8/290) :" وذكر بن وهب عن مالك أنه قال إذا أسلم عليه فقد قطع الهجرة "

ثم قال ابن عبد البر بعد نقل قول من خالفه من أهل العلم :" والآثار المرفوعة تشهد لما رواه بن وهب وقد تقدمت "

يعني ابن عبد البر قوله صلى الله عليه وسلم :" وخيرهما من يبدأ بالسلام " _ كما صرح بذلك في التمهيد (6/127) فجعل السلام ناقضاً للهجر وهذا واضح الدلالة والحمد لله

ومن خالف مالك من أهل العلم ذهب إلى أنه ينظر إلى الحال قبل الهجر فيرجع إليه ، وهذا لا يرد علينا هنا فنحن نتكلم على ابتداء علاقة مع مخالف - وحتى الإستمرار ينبغي أن يجري على الأصول -

خامسها وهو أهمهما : إبعاد الشاب السلفي عن العلماء وطلبة العلم السلفيين الذين يقولون الحق وبه يعدلون

وهنا تتلاشى جميع أصول أهل التخذيل ، فلا ترى رفقاً ولا مراعاةً لكون هذا السلفي خيراً من غيره ، ويتكلمون فيه أمام الشباب الصغار وربما كتبوا الملازم والمقالات في ثلبه من طرفٍ خفي أو جلي ! ، وإن كانوا يؤصلون في بعض ( نصائحهم ) ضرورة إبعاد ( الصغار ) عن الردود !

ومن عجائب تناقضات القوم أنهم ربما ثلبوا العالم السلفي بأنه ليس عنده إلا الكلام في المناهج المنحرفة أو الكلام أو جماعة وإن شئت قل (جمعية) معينة

ونقول : هذا الكلام لا حقيقة له في الواقع ، ولكن على فرض صحته يكون هذا العالم أو طال العلم السلفي (متخصصاً) في هذا الباب والمتخصص كلامه مقدمٌ على كلام غيره

ونراكم لا تجدون مندوحةً من الحضور عند من تخصص في التجويد لأخذ هذا العلم عنه وإن كان لا يحسن غيره ، وكذا الأصولي والنحوي وغيرهما.

فبناءً على ما سبق نقول : هلا حثثتم الشباب على الحضور عند هذا العالم السلفي ( المتخصص ) لأخذ هذا العلم منه ، فلا شك أن عنده ما ليس عند غيره بحكم ( التخصص ) .
واعلم أن نشاط أهل التخذيل في حمل هذا المعول يختلف باختلاف مكانة العالم السلفي قوةً وضعفاً ، فإذا كانوا يستطيعون ضربه مباشرةً عن طريق تتبع سقطاته ، والسعي بالنميمة بينه وبين إخوانه فعلوا

وإن كان قوياً لا يجدون إلى إسقاطه سبيلاً ، حاولوا إبعاد الشباب عنه عن طريق إخماد ذكره وإظهار غيره - من أصحابهم - والإفراط في مدحه وتعديد مناقبه على طريقةٍ تحاكي ما اعتدناه من أهل التصوف وأهل التحزب

وإذا رددت على المخذل بما يتناسب مع ضرره على الإسلام والمسلمين ذكرك المخذل بالرفق واللين الذي تناساه قريباً

يناشدني حاميم والرمح شاجر *** فهلا تلا حاميم قبل التقدم



ومما يتفرع على الكلام عن هذا ( المعول ) الحديث عن أمرٍ يدمي القلب وما كنت أريد أن أتحدث عنه ولكنني ما كنت لأبوح بكل ما سبق لأسكت عن هذا

أهل التخذيل يتعاملون مع أهل العلم بحسب أصولهم فربما قرأ أحدهم كلاماً طويلاً لعالمٍ سلفي يهدم بنيان أهل التخذيل على رؤوسهم فيدعه كله ويتشبث بكلمةٍ وافقت هوىً عنده ويبني عليها قصوراً وعوالي 
وأهل التخذيل يحفظون زلات العلماء السلفيين ليشغبوا بها على إخوانهم فما إن تنتقد مجهولاً حتى أتاك المخذل بزلةٍ لعالمٍ سلفي عرف بسلفيته وربما كانت هذه الزلة دون ما انتقدته على ذلك المجهول بكثير ، ولكنه التشغيب !

ولا أدري على أي أصولٍ تكون معاملة المجهول كمعاملة السلفي الذي ثبتت عدالته والله المستعان

كما أن أهل التخذيل يفرحون بالفتن التي تحصل بين السلفيين ولا يدعون فرصة الإنتفاع بها في التشغيب على أهل السنة ، وأقسم بالله العظيم غير حانث أنهم يفرحون بها فرحاً شديداً رأينا هذا منهم وإن لم تقله أفواههم فقد نطقت به أفاعيلهم 
ويحرص المخذلون على جعل الجرح كله من بابٍ واحد فلو فسر بعض الناس جرحه فقد التفسير مردوداً بأن يكون هذا المجروح قد تراجع أو أن كلامه صحيح والخلل في فهم الجارح ، أو يكون هذا المجروح لم يثبت عنه هذا الكلام

فإن المخذل يأتي ويجعل الجرح الذي ذكرنا من باب واحد هو والجرح الذي قام عليه الدليل وتتابع عليه العلماء ونوصح المجروح عن مخالفته مراراً وتكراراً ولم يرتدع

فيجيء المخذل حاملاً معوله وهو يتسكع في ظلمات الجنف والمين قائلاً :" جرحتم فلاناً فلم لم تجرحوا فلاناً "

وإذا عدل العالم السلفي مجروحاً أو جرح من يتشوفون لجرحه جعلوا كلامه قرآناً منزلاً وإن كان الجرح مبهماً، وإذا جرح مخالفاً جرحاً مفسراً وتابعه غيره من أهل العلم لم يقبلوا جرحه وتحججوا بالخلاف

ومجرد الخلاف ليس حجةً باتفاق أهل العلم كما قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله

قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص196 :"الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله"

بل الإحتجاج بالخلاف مضمونه اشتراط الإجماع - وهذا صرح به المنتكسون - وهذا تعجيز لأهل السنة

قال علاء الدين مغلطاي في إصلاح كتاب ابن الصلاح ص165 معلقاً على عبارة أحمد بن صالح في اشتراطه اجتماع الجميع على ترك الراوي :"هذا يحتاج إلى تفصيل : إن أراد إجماع أشخاص بأعيانهم كقول الفلاس : إذا روى يحيى بن سعيد ، وابن مهدي عن رجل رويت عنه ، إذا تركاه تركته فمسلم ، وإن أراد إجماع الجمع الغفير فذلك متعذرٌ جداً ، لأنك لا ترى أحداً تركه الجميع "

سادسها : إرهاب أهل السنة بإنزال كل محنةٍ تقع بهم منزلة البلاء المهلك الذي يبيح المحظورات

والبلاء أمرٌ لا بد منه للسني المتبع لمنهج الأنبياء فأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل

وقد سئل الإمام الشافعي :" أيهما خير للمؤمن أن يبتلى أو أن يمكن ؟"

فقال الشافعي :" لا يمكن حتى يبتلى "

قلت : وهذا مستفاد من قوله تعالى :" وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون "
والصبر يكون على الطاعات وعن المعاصي وعلى الإبتلاءات

واعلم أن اختيار القتل على التلفظ بالكفر جائزٌ باتفاق العلماء ، بل نقل ابن التين الإجماع على أفضلية اختيار القتل على التلفظ بالكفر في حال الإكراه

نقل ذلك عنه أقره ابن بطال في شرح البخاري (8/ 295 ) وكذا نقل الإجماع القرطبي في تفسيره (10/ 188) وبعضهم نقل الخلاف في المسألة 
- هذا كله مستفاد من رسالة ضوابط معاملة الحاكم عند أهل السنة والجماعة لشيخنا الفاضل د. خالد بن ضحوي الظفيري (1/335) ومن أراد التوسع فليراجعها -

فإذا كان اختيار القتل على الكفر جائزاً باتفاق أهل العلم ، فاختيار الأذية بدون القتل على السكوت عن أهل البدع من باب أولى

ويترتب على السكوت عن أهل البدع مفاسد عظيمة تفوق مفسدة قتل المرء المسلم وقلبه مطمئنٌ بالإيمان

قال العـلامـة ابن بـــاز -رحمه الله - في رده على الصابوني : " و لو سكت أهل الحق عن بيانه لاستمر المخطئون على أخطائهم ، و قلدهم غيرهم في ذلك ، و باء الساكتون بإثم الكتمان الذي توعدهم الله في قوله سبحانه "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيَّنَّاه للنَّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاَّعنون إلا الذين تابوا و أصلحوا و بيَّنوا فأولئك أتوب عليهم و أنا التواب الرحيم" و قد أخذ الله على علماء أهل الكتاب الميثاق لتبيننه للناس و لا تكتمونه ، و ذمهم على نبذه وراء ظهورهم ، و حذرنا من اتباعهم.
فإذا سكت أهل السنة عن بيان أخطـاء من خالف الكتاب و السنة شَـابَهُوا بذلك أهل الكتاب المغضوب عليهم و الضالين" (مجموع فتاويه3/72)


وسكوت أهل العلم يجعل البدعة سنةً عند من لا يفقه من العوام وأشباههم وهذا أظهر من أن يشرح


سادسها : الكلام في الذوق فإذا أتيته بكلام أهل العلم في أحد المنحرفين قال : " ليس لهذه الدرجة " ، والذوق يرد عليه بالذوق فتجيبه :" بل لهذه الدرجة وما تكلم فيه أهل العلم إلا لما رأوا خطره "

واعلم عبيد الله ، أن هذه المعاول يختلف أهل التخذيل في حملها فمن مستقل ومستكثر بحسب دوافع التخذيل

فإن قلت : ما هي دوافع التخذيل ؟

اعلم أخي ، أن دوافع التخذيل - في نظري - تنحصر في ثلاثة

الأول : الدافع المادي ، فإن كثيراً من الجمعيات الحزبية سحرت الناس بالدينار والدرهم

وقد قال الأول :
أحلتكم النعماء مني ثلاثةً *** يدي ولساني والضمير المحجب

وأصحاب هذا الدافع أكثر عرضةً للإنتكاسة من غيرهم

الثاني : الدافع الإجتماعي ، وهذا ينتج عن كثرة مخالطة أهل الأهواء أو العلاقات الأسرية مع بعض أعضاء الجمعيات الحزبية

الثالث : محبة السكينة والدعة ، فتجد المخذل يخاف مقارعة أهل البدع وما يترتب عليه ، وبعضهم كان على الجادة ثم طال عليه الطريق فسلك جادة الخذلان حتى انتهى إلى التخذيل

عبيد الله ، هنا لا بد من تنبيه لكي لا نؤكل بلا ملح !

وهو أن كثيراً من الأخيار قد تأثروا بمسالك أهل التخذيل فصدرت منهم بعض كلمات أهل التخذيل ، وما أرادوا إلا النصح وكم من مريد للخير لم يصبه

فإن قلت : ما العزاء ؟

قلت : عزاؤنا قوله تعالى :" وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط "

وقوله صلى الله عليه وسلم :" لا يضرهم من خذلهم "

فلا تحزن ولا تبتئس ، وعهدي بك رحيم القلب فلا تجد عيناك بمائها ولو على أهل التخذيل ، وإن كنت لا بد فاعلاً فاعلم أن الفضل لصاحبك

فلو قبل مبكاها بكيت صبابةً *** بسعدى شفيت النفس قبل التندم

ولكن بكت قبلي فهيج لي البكى *** بكاها فقلت الفضل للمتقدم

عبيد الله ، هنا نهاية الإقدام وقد أثقلت الأغلال قدمي ، وما كنت أظن أنني سأكتب كل هذا ، ولكنني رفقت بنفسي إذ أنني أجد راحةً كلما أفرغت بعض ما في صدري

فعد إلى الإسترخاء فما عدت أستطيع أن أكتب أكثر ، ولكنني سآتيك لأكمل لك بقية القصة فيما بيني وبينك فنحن اليوم بين مطرقة التخذيل وسندان الخذلان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

منقول من سحاب الخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق